نشأة الدراسات المستقبلية وتطورها


في مطلع السبعينات من القرن الماضى اتضحت ملامح الدراسات المستقبلية ، وأخذت مكانتها في التأثير على رسم السياسات والاستراتيجيات العالمية والمحلية والإقليمية.
وقد اختلف مجال الاهتمام بالدراسات المستقبلية قديما عن مجال اهتمامها الآن ، ففي بدايتها كانت تركز اهتمامها حول الظواهر الطبيعية والكونية فقط وذلك لما تتسم به هذه الظواهر من ثبات نسبى ووضوح في القوانين العامة التى تحكم حركتها ومن ثم يسهل التنبؤ بمستقبلها بدقة ، أما الظواهر الإنسانية والاجتماعية فنظرا لما تتسم به من تعقيد وتشابك ويستلزم لدراستها مناهج وأدوات بحثية تتسم بالتداخل والتركيب، فقد ظلت بعيدة عن مجال الدراسات المستقبلية في البداية لكنها بدأت تدخل إلى مجال اهتمامتها الآن.
وفي نهاية السبعينات بدأت المحاولات الأولى للدراسات المستقبلية العربية في مجال التربية، حيث أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تقريرها الأول بعنوان :
" استراتيجية التربية العربية"، وقدم مكتب اليونسكو الإقليمى للتربية في البلاد العربية دراسته بعنوان : " تأملات في مستقبل المنطقة العربية خلال الفترة ( 1981 م- 2000 م) وكذا محاولات منتدى الفكر العربى خلال الفترة ( 1986 م-1990م).
وبذلك أصبحت الدراسات المستقبلية من الدراسات الاجتماعية الهامة التى تساعد في الوصول إلى ما ينبغى أن يكون ، وطرح الاحتمالات الممكنة واختيار ما يتناسب منها مع الإمكانات المتاحة.
ويتضح أن لكل بلد من بلدان العالم ظروفه الخاصة التى تتحكم في عملية التنبؤ بالمستقبل، حيث إن النظر إلى مستقبل مجتمع ما يجب أن يتم من خلال السياق ( أو الكل) الذى ينتمى إليه أو يتفاعل معه ، فالنظرة المستقبلية للتربية لا تصدق من غير حساب الجوانب الأخرى من حياة المجتمع .
ويعد مستقبل الجماعات البشرية شيئا يمكن التنبؤ به وتحديده بدرجة معينة من الدقة ، مع ملاحظة اختلاف درجة الدقة باختلاف المجتمع وباختلاف موضوع الدراسة ، وأيضا باختلاف البعد الزمنى للتنبؤ .
لذا يلزم الاهتمام بالدراسات المستقبلية في مجال التربية لاستشراف المستقبل ومحاولة حل المشكلات القائمة .

مفهوم الدراسات المستقبلية وطبيعتها

يُعرف علم المستقبل بأنه : علم جديد يحاول وضع احتمالات محتملة الحدوث، كما يهتم بدراسة المتغيرات التى تؤدى إلى حدوث هذه الاحتمالات وتحقيقها ، فعلم المستقبل يهدف إلى رسم صور تقريبية محتملة للمستقبل بقدر المستطاع.
وتتضمن طبيعة الدراسات المستقبلية صناعة المستقبل، وليس فقط دراسته وعدم الاكتفاء بمواجهة ما هو آت وعاجل ، بل أن نضع في حسابنا أيضا تحديات المستقبل وأزماته. وعلى هذا النحو يتجلى تماسك قوانين الزمان في أبعاده الثلاثة الماضى والحاضر والمستقبل، وما يوجد في الحاضر لا يمنع وجوده في المستقبل.
ويستند تصور المستقبل في الأساس إلى قاعدة صلبة من البيانات العلمية الدقيقة والشاملة عن الظواهر الحاضرة وجذورها الماضية باعتبارها جزءاً أساسياً وحلقة لا غنى عنها في التنبؤ بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل ، كما يتم تحديد قائمة بالأولويات والأهداف الاجتماعية الملحة للمجتمع مستقبلا والتى على ضوئها يستشرف أحداث المستقبل مستهدفا بذلك تحديد مدى احتمال وقوعها .
ولهذا فإن طبيعة الدراسات المستقبلية لا تكتفي فقط بدراسة التصورات المستقبلية المحتملة، بل تتناول الأدوات والوسائل التى يمكن أن تؤثر في مجرى الأحداث المستقبلية بما يتفق ورغبات مجموع الأفراد الذين يمسهم هذا المستقبل.

أهمية الدراسات المستقبلية

يعد الاهتمام بالدراسات المستقبلية من الضروريات الهامة لدراسة مجتمع ما. ويمكن توضيح أهمية الدراسات المستقبلية في مجالات الحياة المختلفة بوجه عام وفي مجال التربية بوجه خاص على النحو التالي:
1- أصبحت الدراسات المستقبلية ضرورة حتمية وأمراً لا غنى عنه في الوقت الحاضر لمواجهة متطلبات التقدم التكنولوجى السريع والاستعداد له مما يستلزم إعادة تشكيل وبناء النظم التعليمية بناء مستقبلياً يتناسب ومتطلبات هذا التقدم ، ولن يتحقق للتربية هذا الهدف إلا بالاستعانة بالدراسات المستقبلية وتقنياتها، باعتبار أن التربية في تحليلها النهائى عملية مستقبلية.
2- أن الدراسات المستقبلية تؤكد على المعلومات اللازمة للتخطيط التربوى حيث تقوم بتزويد المخططين التربويين بصور المستقبلات التربوية والمجتمعية المحتملة والبديلة لاختيار أفضلها، وفي نفس الوقت فإن الاعتماد على الدراسات المستقبلية في التربية يجعل التخطيط التربوى مكمل لسياسة مستقبلية عامة للتنمية المجتمعية .
3- إن محاولة التنبؤ أو استشراف المستقبل المحتمل والممكن ضرورية للغاية ، فعند التخطيط توضع اختيارات أو بدائل حرة للمستقبل أمام متخذى القرار لتقديم الإجراءات اللازمة لاتخاذ القرار السياسى الذى يقصد به إنجاح مشروع تربوى، والمطلوب هو بذل جهود مركزة لتخطيط طويل المدى للمستقبل المتوقع.
تعمل الدراسات المستقبلية في عملية التجديد التربوى على تحديد احتياجات المجتمع من التعليم، والاستعداد لقبول إعداد متزايدة من المتعلمين، والتعامل معهم في المستقبل باعتبار أن هذه الحاجة ضرورية وحتمية وذلك من أجل تلبية احتياجات التنمية المجتمعة من أصحاب المهارات والقدرات المختلفة المؤهلة لتكوين المجتمع.


د. محمد نصحى ابراهيم


  • Currently 24/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 6258 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2011 بواسطة drnoshy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

192,997